بين الأول والأخير

"ويبقي الحب الأول أقوى من النسيان"
تتذكر العبارة فتضعها اسما جديداً لها..تتساءل هل تعنيه هو حقاً كما ادعت بالأمس...أم أنها تبعث رسالة مشفرة من خلف ستائر السنين لتتناثر حروفها في الفضاء الإلكتروني غير أكيدة من وصولها لمن تريد...غير أكيدة أصلا من هوية من تريده أن يتسلمها...

***
"كل طرقي تنتهي بكِ وجميع أحلامي يلخصها وجودكِ وذكرياتي ومستقبلي ملك لكِ"
تغلق الكتاب بعد أن تقرأ إهداءً تتذكره جيداً..يقشعر بدنها عندما تتعثر دبلتها الباردة بدمعة حارة نجحت في الهرب من قضبان أحكمت فرضها علي الذاكرة.
***
"في حياة كل منا وهم كبير يسمي الحب الأول"
يدهشها التغير الفوري لاسمه فور تغيير اسمها...تدرك أن رسالتها كانت تعرف جيداً متلقيها...تنظر بعيداً عن الشاشة متمتمة "دوماً كنا وسنظل..متناقضين علي حب"
***
- أنا راحل..ليس لأنني أرغب بذلك ..لكن لأنه الأفضل..فلتختاريه هو.
- من قال أني أريد الأفضل..أنا أريدك أنت.
- وأنا أريد الأفضل لكِ.
- أنت كما أنت ..أنا لست مثلك مهووسة بالأفضل..الأسرع...الأجمل..ثمة أوقات لا يهم بها أن تكون الأول..أن تسبق الجميع..بل أن تكون وسطهم...فقط وسطهم.
- ...
- أعلم أنك لن تدرك يوماً ما أعنيه..فلتبقي الأول..أعدك أنك ستبقي الأول دوماً بحياتي ليس تراتبياً وإنما زمنيا فحسب..سيكون هناك آخر..آخر يختاره القلب وليس ذاك"الأفضل" الذي اخترته أنت..يوما ما ستنتهي إجازة الألم ويعود قلبي للعمل..سيكون هناك آخر..سيكون أفضل..وأبقي.
تغلق نافذة المحادثة التي مر عليها زمن أطول من عمر بيتها الجديد..تنظر حولها ببطء كأنها تري أشياءً أخري غير الموجودة بالفعل..أشياء موجودة بالقلب..عند الآخر النائم بالفراش خلفها تتوقف عيناها ..هو نفسه ذاك "الأفضل" الذي أقسمت أنها لن تختاره..بخطوات بطيئة وعلي أطراف الأصابع تنهض..أمام المرآة تجلس:
- كنتِ علي قدر عالٍ من الغباء والغرور أيضاً..لم يكن راحلاً..كان يريدك أن تتعلقي بثوبه حقاً..وليس كذاك الآخر الذي بقي عند قدميك حتى عدلتِ عن الرحيل فـ خان..كان يريد أن تختاريه حقاً لا أن تخبريه بذلك.. اعتقدتِ أنه أراد أن يبقي الأول دوماً..لكن كل ما أراده هو أن يكون الأخير..
***
أمام نافذة جديدة ..بابتسامة مدركة أن القلب قد استقال من عمله وأن الإجازة لن تنتهي كما اعتقدت تطبع:
"كنتَ دوماً الأول والأخير..لكني توقفت عن كوني أيهما ذاك اليوم ..يوم اخترت بغبائي المطلق أن أرسب بجدارة في ذاك الاختبار..يوم اخترت أن ارحل عنكَ.."
تسمع حركة خلفها فتغلق نافذتها دون الإرسال..دوماً تغلقها دون الإرسال..
***
نغمة قصيرة تخبرها باستلام رسالةٍ أقصر..تفتحها لتجده_أفضلها_ يحاول ككل مرة أن يعتذر عن خيانة كلاهما يعلم أنه سيكررها:
"ربما لم تكوني الأولي..ربما لستِ الأخيرة..لكن كل ما أعلمه وأريدكِ أن تعرفيه أنكِ الأهم..الأنسب..دوماً الأفضل..والأكثر غفراناً..آسف"
- ما بالكم أيها الرجال وصيغ التفضيل!
تقولها بتلقائية لا تخلو من ألم...تضع الهاتف ناظرة إليه..بينما تنجح ذكري جديدة في الهرب من خلف القضبان...
***
"أنتِ الأولي والأخيرة..لكنكِ تعلمين أن بين الأول والأخير مسافة ليست قصيرة بالضرورة..أرقامٍ قد لا تعني لكِ سوي مزيد من الانتظار..لكنها تعني لي مزيداً من الشوق..أرجوكِ اغفري انشغالي وتأكدي أنكِ هنا دوماً..(وأشار)بالقلب"
دون أن تشعر باقتراب الآخر ودون أي مقدمات يطوقها بذراعيه من الخلف واضعاً كفه علي راحتها الموضوعة حيث أشار الأول منذ زمن..
- أحبكِ..دوماً فعلت..وإلي الأبد سأبقي..
تغمض عينيها بشدة وتضغط بيدها بوابة بالقلب..بخفوت تجيب:
- أعلم.
لم تزد يوما عنها"أعلم"..فقط تعلم..
22/11/2008